يعتبر محمد أنور السادات واحدًا من أبرز الشخصيات في تاريخ مصر الحديث، إذ وُصف بكونه “رجل الحرب والسلام”. قد يكون كثير من الأشخاص قد سمعوا عن الرئيس السادات، ولكنهم ربما لم يعاصروا فترته السياسية التاريخية أو لم يعرفوا كثيرًا عن حياته الشخصية والمهنية. لذلك في هذا المقال، سنتعرف عن كثب على سيرة هذا القائد، الذي استطاع أن يوازن بين الصراع والسلام، وقاد مصر إلى مفترق طرق مهم في تاريخها الحديث. وسنتناول في هذا المقال أيضا نشأته، حياته الشخصية، فترة حكمه، سياسته الداخلية والخارجية، مؤلفاته، وأبرز ما قيل عنه.
من هو محمد أنور السادات؟
محمد أنور السادات وُلد في 25 ديسمبر 1918 في قرية ميت أبو الكوم بمحافظة المنوفية، مصر. ينحدر السادات من أسرة متوسطة الحال، وكان والده يعمل موظفًا حكوميًا. دخل السادات الكلية الحربية عام 1938، وكان من أوائل دفعته. في الجيش، تميز بذكائه وحماسته، وكان أحد الضباط الذين شاركوا في ثورة 1952 التي أطاحت بالملك فاروق وأدت إلى قيام الجمهورية.
بعد الثورة، بدأ السادات في الظهور على الساحة السياسية والعسكرية، وتدرج في المناصب حتى أصبح نائبًا للرئيس جمال عبد الناصر في عام 1964. وبعد وفاة عبد الناصر في سبتمبر 1970، تولى السادات رئاسة جمهورية مصر العربية، ليكون ثالث رئيس للجمهورية بعد ناصر والملك فاروق.
حكم السادات مصر في فترة عصيبة، حيث كانت البلاد تعاني من آثار الهزيمة في حرب 1967، إلا أنه بذكائه وقدرته على التكيف مع الأحداث. تمكن من إعادة بناء مصر على جميع الأصعدة. كما عُرف السادات بقدرته على اتخاذ قرارات جريئة غير تقليدية، ومنها على سبيل المثال قراره ببدء حرب أكتوبر 1973 ضد إسرائيل، ثم تطوراته لاحقًا إلى عملية السلام مع إسرائيل.
حياته الشخصية وحياة العائلة:
كان السادات متزوجًا من السيدة جيهان السادات، التي لعبت دورًا هامًا في حياته الشخصية والسياسية. ولدت جيهان السادات في القاهرة في عام 1933، وهي من أسرة من الطبقة الراقية. تزوجت من السادات في عام 1949، وكان لها دور بارز في النشاط الاجتماعي والسياسي طوال فترة حكمه، خاصة في مجال حقوق المرأة والمشاركة الاجتماعية. وقد حصلت على العديد من الجوائز العالمية تقديرًا لجهودها.
وأنجب السادات من جيهان ثلاث بنات وولد واحد، وواجهت العائلة العديد من التحديات والصعوبات في حياتها الشخصية، خاصة في فترات الحروب، لكن عائلة السادات كانت دائمًا تسانده في قراراته المصيرية. فالسادات كان معروفًا بعلاقته الطيبة مع عائلته، وكان يعتبرهم جزءًا أساسيًا من حياته وحكمه.
فترة رئاسته وسياسة حكمه:
تولى السادات رئاسة مصر في 28 سبتمبر 1970 بعد وفاة جمال عبد الناصر، وقد كان في تلك الفترة في حالة استنفار داخلي نتيجة تداعيات حرب 1967. بدأ السادات حكمه بتطبيق سياسة “التصحيح الثوري” والتي تضمنت تغييرات هامة في النظام الداخلي. حيث كانت أولى خطواته الاقتصادية هي فتح أبواب الاقتصاد المصري أمام الاستثمارات الأجنبية عبر سياسة الانفتاح الاقتصادي. لكنه في الوقت نفسه، حافظ على بعض عناصر الاقتصاد الاشتراكي التقليدي التي أسسها عبد الناصر.
أما في المجال العسكري، فقد قاد السادات الجيش المصري في حرب أكتوبر 1973 ضد إسرائيل، في خطوة مفاجئة للعالم بأسره. الحرب كانت بمثابة انتصار عسكري استطاع من خلالها السادات استعادة جزء من كرامة الجيش المصري بعد الهزيمة في 1967.
وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، اتخذ السادات قرارات هامة، أبرزها موافقته على إقامة مفاوضات سلام مع إسرائيل، والتي تكللت بتوقيع معاهدة السلام في 1979، وبذلك أصبح السادات أول رئيس عربي يعترف بإسرائيل، مما جلب له انتقادات كبيرة في العالم العربي، لكنه في الوقت نفسه كان له دور محوري في تاريخ الشرق الأوسط.
كيف كانت العلاقات الدولية في عهده؟
شهدت فترة حكم السادات تحولًا كبيرًا في السياسة الخارجية لمصر، فقد كانت مصر في فترة السبعينات تحت ضغوط هائلة سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية. ومن أبرز ملامح السياسة الخارجية في عهد السادات كانت اتفاقية كامب ديفيد التي أبرمها مع إسرائيل في عام 1978 برعاية الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، وهو ما أدى إلى توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في 1979.
وقد كانت هذه الخطوة، التي قوبلت بانتقادات شديدة من بعض الدول العربية، تحولًا جذريًا في العلاقات بين مصر وإسرائيل. وأسهمت في تغيير الصورة السياسية للمنطقة العربية. على الصعيد الدولي، كانت العلاقات المصرية مع الولايات المتحدة تتسم بالدفء، حيث تلقى السادات دعمًا عسكريًا واقتصاديًا من واشنطن بعد توقيع معاهدة السلام.
كما حرص السادات على تحسين العلاقات مع الاتحاد السوفيتي في بداية حكمه، لكن مع مرور الوقت، بدأت مصر في تقليص اعتمادها على الاتحاد السوفيتي، وكانت سياسة السادات تميل أكثر إلى التعاون مع الولايات المتحدة.
مؤلفات محمد أنور السادات:
أنور السادات كان كاتبًا ومؤلفًا أيضًا. له العديد من الكتب التي تعكس رؤيته السياسية وفهمه العميق للأحداث التي شهدها. من أبرز مؤلفاته:
البحث عن الذات (1978):
يعد هذا الكتاب من أبرز مؤلفات السادات وأهمها. ففي هذا الكتاب، يروي السادات سيرته الذاتية ويستعرض رحلته الشخصية والسياسية منذ نشأته في قرية ميت أبو الكوم وحتى وصوله إلى رئاسة الجمهورية. كما يتناول الكتاب مراحل حياته المختلفة، بدءًا من طفولته، مرورا بتعليمه في الكلية الحربية، واشتراكه في ثورة 1952، وصولًا إلى حرب أكتوبر 1973 وكيفية وصوله إلى الرئاسة. لذلك يعتبر هذا الكتاب مرجعًا هامًا لفهم شخصية السادات وكيف تأثر بالأحداث الكبيرة في تاريخ مصر والعالم.
من أجل السلام (1979):
في هذا الكتاب، يشرح السادات دوافعه وخطواته في السعي لتحقيق السلام في الشرق الأوسط. كما يتحدث عن معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية (كامب ديفيد) التي أبرمها مع رئيس وزراء إسرائيل مناحم بيغن برعاية الرئيس الأمريكي جيمي كارتر في عام 1978. ويعتبر هذا الكتاب بمثابة دفاع عن قرار السادات بالذهاب إلى إسرائيل وإقامة علاقة سلام مع الدولة العبرية. كما يعرض فيه رؤيته للسلام في المنطقة. الكتاب يعكس مواقف السادات السياسية وعلاقاته مع قادة العالم في فترة ما بعد حرب أكتوبر.
التحرير (1973):
هذا الكتاب يعكس التجربة العسكرية للسادات ويعرض فيه تحليلاً لظروف حرب أكتوبر 1973. يتحدث عن التخطيط للحرب، وكيف كانت مصر تستعد لاستعادة الأراضي المحتلة في سيناء. الكتاب يُظهر رؤية السادات الاستراتيجية في إدارة الحرب، وكيف تمكن الجيش المصري من تحقيق النجاح في أول أيام القتال على الجبهة المصرية. كما سلط الضوء على دور القيادة العسكرية والسياسية في اتخاذ القرارات الهامة خلال تلك الفترة الحاسمة.
وقد ترك السادات العديد من المؤلفات التي تعتبر وثائق تاريخية تسلط الضوء على رؤيته للسياسة والحرب والسلام.
ماذا قيل عن محمد أنور السادات؟
محمد أنور السادات كان شخصية مثيرة للجدل، حيث تباينت الآراء عنه بين مؤيدين يرون فيه بطلًا قوميًّا ورجل سلام، ومعارضين يعتقدون أن قراراته كانت متناقضة أو كانت لها عواقب سلبية على مصر والمنطقة. وتلك بعض من أبرز الآراء والأقوال التي قيلت عن السادات من قبل شخصيات معاصرة له.
ما قاله القادة والزعماء:
- جيمي كارتر (الرئيس الأمريكي السابق): قال الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، الذي كان راعيًا لاتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، في شهادته عن السادات:
“لقد كان السادات رجلًا شجاعًا جدًا. لم يكن فقط قائدًا عسكريًا عظيمًا، بل كان قائدًا سياسيًا بديعًا. قدّم للمستقبل فرصة للسلام في الشرق الأوسط عندما كان يبدو أنه لا يوجد أمل.” - مناحم بيغن (رئيس وزراء إسرائيل): مناحم بيغن، رئيس وزراء إسرائيل خلال توقيع معاهدة السلام مع مصر، وصف السادات بأنه “رجل سلام عظيم”. واعتبر أن السادات كان له دور كبير في تغيير موازين المنطقة وتحقيق السلام بين مصر وإسرائيل. وهو ما جعله يتلقى جائزة نوبل للسلام في 1978 إلى جانب بيغن وكارتر.
- الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات: رغم مواقفه المعارضة لاتفاقات السادات مع إسرائيل، فإن ياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، قال بعد اغتيال السادات: “لقد كان السادات شجاعًا في اتخاذ قراراته. ولكن السلام الذي سعى إليه كان من جانب واحد ولم يكن في صالح الفلسطينيين.”
آراء المؤرخين والمفكرين:
- د. جلال أمين (المفكر الاقتصادي المصري): في كتاباته، كان د. جلال أمين يشير إلى أن السادات كان شخصية متقلبة في بعض جوانب سياسته الداخلية، وخاصة في الجانب الاقتصادي. حيث أطلق سياسة الانفتاح التي جلبت للبلاد العديد من الفرص والتحديات في الوقت ذاته. ورغم ذلك، يعتقد أمين أن السادات كان أحد القلائل الذين استطاعوا مواجهة تحديات تلك الفترة باحترافية.
- د. محمد حسين هيكل (المؤرخ الصحفي المصري): يرى الكاتب والمفكر المصري د. محمد حسين هيكل أن السادات كان صاحب رؤية مستقبلية، خاصة في علاقاته الدولية. حيث تعامل بحذر مع التحولات في السياسة الدولية. وفي الوقت نفسه تمكن من تحقيق نصر عسكري مهم في حرب أكتوبر 1973. إلا أنه كان يعتقد أن السادات أخطأ في التعامل مع الملفات الداخلية ومع المعارضة السياسية بعد اتخاذه لمواقف جدلية.
الجوائز والتكريمات:
- جائزة نوبل للسلام (1978): في 1978، فاز السادات بجائزة نوبل للسلام مناصفة مع مناحم بيغن وجيمي كارتر. وذلك تقديرًا لجهودهم في توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية. هذه الجائزة كانت تتويجًا لمبادراته الرائدة في التوصل إلى اتفاقية سلام مع إسرائيل بعد سنوات طويلة من الحروب والصراع.
وفي النهاية، فإن السادات يبقى واحدًا من القادة الذين كانت لهم بصمة واضحة في تاريخ مصر والمنطقة العربية، سواء في مجال الحرب أو السلام.
اقرأ المزيد أيضا عن: جمال عبد الناصر رئيس مصر – تاريخ من المسؤولية والصمود
اضف تعليق