في عالم الأدب العربي، يعد طه حسين واحدًا من الشخصيات التي لا يمكن تجاهلها بسهولة. هو ذلك الرجل الذي أضاء بكتاباته عتمة الجهل. واختار أن يسبح ضد تيار التقليد والعادات، مصارعًا من أجل الإيمان بأن العقل هو مفتاح التقدم والرقي. لكن وراء هذه الشخصية اللامعة، تكمن قصة حياة مليئة بالتحديات والإبداع، ولهذا السبب نحتفظ بأدب عميد الأدب العربي في ذاكرة الأدب العربي.
لن تكون الكلمات كافية لوصف طه حسين بشكل كامل، ولكن هذا المقال سيقدم لك نظرة عميقة عن هذا الأديب الكبير. مع محاولة لتسليط الضوء على أهم جوانب حياته وأعماله التي جعلت منه شخصية محورية في تاريخ الأدب العربي.
من هو طه حسين؟
طه حسين هو واحد من أكثر الأدباء تأثيرًا في العالم العربي. تمت والدته عام 1889 في محافظة المنيا بمصر، وعُرف بلقب “عميد الأدب العربي” لكونه كان رائدًا في التحديث والتجديد الأدبي في الفكر العربي. إلى جانب كونه أديبًا مبدعًا، فكان عميد الأدب العربي أستاذًا جامعيًا، وزيرًا، ومفكرًا. اشتهر بتقديم أفكار تجديدية، رغم ما واجه من معارضة شديدة من بعض الأوساط التقليدية.
كما كان طه حسين في جوهره شخصًا يسعى لكشف الحقائق وتعليم الأجيال الجديدة كيفية التفكير بعيدًا عن الجمود التقليدي. لم يكن مجرد كاتب، بل كان باحثًا عن الحقيقة، ناقدًا للأفكار السائدة، ومؤمنًا بإمكانية تحطيم القيود الفكرية التي كانت تحيط بالمجتمع العربي في زمنه.
أصل ونشأة طه حسين:
كانت ولادة الأديب طه حسين في 14 نوفمبر عام 1889 في قرية “المنيا” بصعيد مصر. نشأ في أسرة فقيرة، حيث كان والده موظفًا بسيطًا في الحكومة. في سن مبكر، تعرض لصدمة كبرى، فقد أصيب بالعمى في سن الثالثة إثر إصابته بمرض في عينيه. هذه التجربة الصعبة كان لها تأثير بالغ في حياته، إذ جعلت عميد الأدب العربي يعتمد بشكل أكبر على عقله وتفكيره، كما دفعته إلى السعي لطلب العلم على الرغم من المعوقات التي واجهها.
كان لوالده دور مهم في تشجيعه على الدراسة والقراءة، على الرغم من إعاقته البصرية، مما دفعه للالتحاق بالمدارس الخاصة بالمكفوفين. ومن ثم، بدأ عميد الأدب العربي رحلة العلم في جامعة الأزهر، ليحقق أولى خطواته نحو أن يصبح من أبرز المفكرين في تاريخ الأدب العربي.
هل حصل طه حسين على جائزة نوبل؟
بالرغم من إنجازاته الأدبية العظيمة، لم يحصل طه حسين على جائزة نوبل في الأدب. وهذا الموضوع ظل موضع نقاش بين المهتمين في مجال الأدب والنقد الأدبي. إذ يعتبر من بين أكثر الأدباء الذين كانوا يستحقون الجائزة نظرًا لإسهاماته الفعالة في تطوير الأدب العربي المعاصر، لكن جائزة نوبل لم تكن من نصيبه.
كما يعود عدم حصوله على جائزة نوبل أيضا إلى عوامل متعددة، منها الظروف السياسية والاجتماعية التي مرت بها المنطقة في وقتها. بالإضافة إلى طبيعة معارضته للأفكار التقليدية، والتي جعلت الكثيرين ينظرون إليه باعتباره شخصًا مثيرًا للجدل.
لماذا أصيب طه حسين بالعمى؟
فقدانه لبصره في سن مبكرة ليس مجرد حادثة عادية في حياته، بل كان له تأثير عميق على شخصيته ومسيرته الأدبية. وقد اختلفت الروايات حول السبب الحقيقي وراء فقدان بصره، وهو ما أدى إلى ظهور عدة تفسيرات بين المؤرخين والمفكرين. ومع ذلك، يمكن تلخيص الأسباب الرئيسية في بعض الروايات الأكثر شهرة:
الرواية الطبية التقليدية:
الرواية الأكثر شيوعًا تتحدث عن أنه فقد بصره بسبب إصابته بمرض “الرمد” الشديد عندما كان في الثالثة من عمره. في تلك الفترة، لم تكن هناك وسائل علاجية فعّالة لهذا المرض، مما أدى إلى حدوث مضاعفات جعلته يفقد بصره تمامًا. يشير البعض إلى أن والده، الذي كان فلاحًا بسيطًا، لم يستطع توفير العلاج المناسب في ذلك الوقت، مما أدى إلى تفاقم الحالة.
الرواية التي تقول إن الإهمال تسبب في العمى:
بعض الروايات تشير إلى أن طه حسين كان قد أصيب في البداية بمرض بسيط في عينيه. وكان من الممكن علاجه في تلك الفترة إذا تم اكتشافه مبكرًا. لكن هناك من يقول إن الطبيب الذي عالجه لم يتعامل مع الحالة بالكفاءة المطلوبة. أو أن الطبيب كان قد أفرط في معالجة المرض، مما أدى إلى تفاقم الأعراض وفقدان البصر بشكل دائم. هذه الرواية تُظهر نوعًا من الإهمال الطبي الذي كان سائدًا في ذلك الزمن.
رواية طه حسين نفسه:
في مذكراته وفي كتابه “الأيام”، تحدث طه حسين عن تجربته مع فقدان بصره بشكل مختلف، حيث وصفها بأنها كانت محنة تجعله يشعر بالقوة الداخلية بدلاً من الضعف. وقد قال إنه كان يشعر أنه لو لم يكن فاقدًا للبصر، لما استطاع أن يحقق نفس النجاح الذي حققه في حياته. وكان يعتقد أن فقدان بصره قد ساعده على تكريس جهوده للعلم والثقافة، وأنه كان يعوض فقدان حاسة البصر بحاسة أخرى هي العقل والسمع.
الرواية الشعبية:
هناك أيضًا رواية شعبية بين بعض الناس تقول إن طه حسين كان قد فقد بصره بسبب حادث وقع له في مرحلة الطفولة، مثل سقوط شيء ثقيل على عينيه أو التعرض لحادث مؤلم أثر على عينيه بشكل مباشر. لكن هذه الرواية تبقى غير مؤكدة وتعتبر مجرد حكاية متداولة بين الأوساط الشعبية.
وعلى الرغم من تعدد الروايات حول سبب فقدانه لبصره، يبقى السبب الأكثر قبولًا هو إصابته بمرض الرمد. الذي أدى إلى فقدانه بصره بسبب الإهمال الطبي أو الظروف التي كانت سائدة في ذلك الزمن. وقد تعامل عميد الأدب العربي مع هذه المحنة بروح من التحدي والقدرة على التغلب عليها، مما جعله يُعتبر نموذجًا في الصبر والإصرار.
أهم أعمال طه حسين:
طه حسين قدم العديد من الأعمال الأدبية والفكرية التي أثرت في الأدب العربي. من أبرز أعماله:
- في الشعر الجاهلي: يعد من أهم مؤلفاته التي أثارت جدلاً كبيرًا في أوساط المثقفين. في هذا الكتاب، يعرض طه حسين وجهة نظره في الشعر الجاهلي، مدعيًا أنه لا يوجد الكثير من الأدلة التاريخية التي تؤكد صحة الشعر الجاهلي كما هو معروف.
- الأيام: هو السيرة الذاتية لطه حسين، والتي تعتبر واحدة من أبرز أعماله الأدبية. الكتاب يسرد فيه قصة حياته منذ طفولته. مرورًا بتجربته في الجامعات المصرية الفرنسية، وصولًا إلى قمة نجاحه الأدبي.
- مستقبل الثقافة في مصر: عمل آخر هام يتناول فيه أحوال الثقافة في مصر وكيفية النهوض بها. داعيًا إلى تحديث الفكر التعليمي والثقافي في المجتمع المصري.
سبب وفاة طه حسين:
توفي طه حسين في 28 أكتوبر 1973، عن عمر يناهز 84 عامًا. رغم أن طه حسين عاش حياة مليئة بالتحديات والعقبات. إلا أنه كانت له قدرة هائلة على مواجهة هذه الصعاب والتغلب عليها. وكان سبب وفاته هو تدهور حالته الصحية بشكل عام. حيث عانى من بعض الأمراض التي ترافق الإنسان في مراحل الشيخوخة.
رحل طه حسين، لكن إرثه الأدبي والفكري ظل باقيًا، إذ ترك بصمة كبيرة في الأدب العربي الحديث. وظلت أفكاره تشكل حجر الزاوية للكثير من الدراسات الأدبية والفكرية.
ختاما، يعتبر عميد الأدب العربي رمزًا من رموز الإبداع الفكري العربي، فقد أثر في جيل كامل من الكتاب والمفكرين. كانت حياته مليئة بالصعاب، لكنه حول هذه الصعاب إلى فرصة لبناء مستقبل مشرق للأدب العربي. من خلال أعماله، استطاع طه حسين أن يكسر الحواجز الفكرية ويجدد الخطاب الأدبي العربي، ليظل اسمه حياً في ذاكرة التاريخ الأدبي.
وإذا كنت قد قرأت كتبه من قبل، فإن ما يمكن أن يدهشك في معرفتك العميقة عن هذا الكاتب هو كيف استمر في تغيير مفاهيم الأدب والفكر العربي.وكيف ظل يبني جسورًا بين الفكر العربي الحديث والتقاليد القديمة، مع الحفاظ على رغبته في الوصول إلى الحقيقة.
اقرأ المزيد أيضا عن: نجيب محفوظ: عملاق الأدب المصري والعالمي
اضف تعليق